الخميس 12 ديسمبر 2024

منال سالم

انت في الصفحة 25 من 60 صفحات

موقع أيام نيوز


القطار وهي تجوب بأنظارها المكان بنظرات أكثر دقة 
لقد كانت في بلدة ريفية تابعة لإحدى محافظات الوجه البحري  
إنتابها الفضول لتعرف طبيعة هذا المكان وسبب وجودها فيه دونا عن غيره خاصة أنه لا يلائم عروسين تزوجا حديثا وأتيا للتمتع بشهر العسل 
أهلا يا سي محسن نورت البلد 
قال تلك العبارة أحد الرجال ذوي الملابس الريفية المميزة وهو يقترب من زوجها 

صافحه محسن بجفاء وناوله الحقيبة وأردف قائلا بهدوء 
خدها على البيت يا عبعال
أومأ الرجل برأسه وهو يرفع الحقيبة على كتفه ليقول بنبرة مطيعة 
أوامرك يا سي محسن !
شعرت إيثار بالغموض والقلق من معرفة ذلك الرجل لهوية زوجها وكأنه يعلم مسبقا بقدومه 
ثم رسمت على شفتيها ابتسامة هادئة بالطبع فتلك هي بلدته ومن المؤكد أن الجميع يعرفه فيها 
أقنعت نفسها بأن هذا هو التفسير المنطقي للموقف  
بعد أقل من عشر دقائق كانت تنعم إيثار فيها بالتمتع بالنظر إلى تلك الأراضي الخضراء الخصبة تلك المناظر الطبيعية التي أراحت إرهاق عقلها وأنستها مؤقتا ما مرت به بالأمس توقفت السيارة أمام إحدى البنايات المنخفضة 
ترجلت من السيارة وهي تتمعن في المكان من حولها بنظرات سريعة
شاملة 
خرجت إحدى السيدات من ذلك المبنى المنخفض وهي تطلق الزغاريد هاتفة بحماس 
يا مرحب بالغالي اتفضل يا سي محسن نورت دارك يا غالي !
رد عليها بهدوء وهو يشير برأسه 
متشكر يا أم فتحي !
ثم قطب جبينه وهو يتساءل بجدية 
أومال الست أمل موجودة 
ردت عليه أم فتحي بهدوء 
ايوه ومستنظراك إنت وعروستك !
أمرها قائلا وهو يشير بإصبعه 
طيب هاتي الشنطة من عبعال ودخليها جوا 
حاضر يا بيه
ثم الټفت برأسه نحو إيثار ليوجه حديثه إليها قائلا بجدية 
تعالي يا إيثار
تساءلت الأخيرة في نفسها عن سبب وجودها في هذا المنزل وكذلك عن تلك المرأة ولكنها لم تدع الفرصة لعقلها للتفكير فما هي إلا دقائق لتعرف كل شيء 
خطت إلى داخل المنزل بخطوات شبه متعثرة فهي ضيفة على هذا المكان الجديد لا تعرف فيه أحد ليس لها فيه إلا زوجها محسن الذي لا تعرف عنه إلا القليل 
نجحت في الإستمرار في رسم تلك الإبتسامة الهادئة على ثغرها ولكن سريعا ما تلاشت وحل محلها الصدمة حينما رأت محسن يقبل امرأة ما من وجنتيها بحرارة واضحة 
رمشت بعينيها محاولة استيعاب الموقف  
ولكن لم تستطع اخفاء إنزعاجها من تعابير وجهها 
استدار هو ليواجه إيثار فأتاح لها
الفرصة لرؤية المرأة بوضوح  
كانت تتمتع ببشرة خمرية ووجه بشوش نظراتها إلى حد ما مطمئنة وعلى ثغرها تشكلت إبتسامة طيبة أما ملابسها فكانت بسيطة للغاية فهي ترتدي فستانا ريفيا بسيطا من اللون الأزرق ومنتشر عليه صورا مطبوعة لرسمة الوردة الشهيرة كما لفت حول رأسها حجابها القطني من اللون الكحلي 
تعمد محسن تطويق تلك المرأة من خصرها وقربها إلى صدره ثم ابتسم قائلا بقسۏة 
أقدملك أمل مراتي !
شهقت إيثار مشدوهة من تصريحه الصاډم لها وتجمدت عينيها عليهما غير مصدقة ما لفظه توا بهدوء ممېت 
كانت تتوقع أي شيء إلا أن
تكون تلك المرأة زوجته 
لم تستطع هي تحمل تلك المفاجأة الكبيرة والتي زلزلت كيانها بالكامل فشعرت بتلك الغمامة السوداء تغلف رأسها وفقدت بعدها الإحساس بما حولها 
مر يومان على مالك وقد انتهى فيهما من تجهيز نفسه للبدء في أولى خطواته العملية في تركيا 
استعد للذهاب إلى الشركة الجديدة وتأنق في حلة رسمية مناسبة من اللون الأسود 
سار برفقة نادر إلى مقر الشركة ورسم على محياه ابتسامة ودودة وجاهد ليبقي خلف ظهره ظلال الماضي 
تلقى التعليمات اللازمة للعمل وفق سياسة تلك الشركة وحمد الله في نفسه أنه بارع في التحدث باللغة الانجليزية ليتمكن من إنجازات المعاملات التجارية بها واستقبل بصدر رحب كل التعليقات الخاصة والتوصيات الهامة ليحقق المطلوب منه دون وجود أي عقبات 
تعمد هو إلهاء نفسه في العمل ومشاكله حتى لا يترك الفرصة لعقله للإنسياق وراء سيل الذكريات المؤلمة 
بخطوات ثابتة إتجه نحو المصعد ليستقله للطابق القابع فيه مكتبه بمبنى الشركة الشاهق 
لمح تلك الشابة الجميلة وهي تعدو مسرعة نحوه بحذائها العالي وملابسها الرسمية السوداء محاولة اللحاق بالمصعد قبل أن ينغلق بابيه 
مد هو يده ليوقف حركته وأفسح المجال لتلك الشابة الجميلة للمرور 
نظرت له ممتنة وشكرته بكلمات مقتضبة 
أومأ برأسه مجاملا وهو يبتسم لها ولم ينبس ببنت شفة 
تراجع للخلف بعد أن ضغط على زر طابقه وكذلك فعلت هي واختلس النظرات إلى ممشوقة القوام التي تقف أمامه وهو يكاد يسمع صوت أنفاسها اللاهثة 
كانت ثيابها باهظة الثمن وتسريحة شعرها الذهبي منظمة للغاية خاصة تلك الكعكة التي جمعت كل خصلاته الناعمة بشكل عملي جاد 
لم ينكر إلتواء فمه في إعجاب بشكلها الظاهري ولكنه سريعا أخفض رأسه متجنبا النظر إليها 
وضعت الشابة يدها على صدرها الذي ينهج وجاهدت لتضبط أنفاسها  
لكنها لم تكن على ما يرام فالإرتفاع المفاجيء في نسبة الأدرينالين أتعبها للغاية 
عاتبت نفسها بالهمس وهي تضغط على شفتيها قائلة باللغة التركية 
لم يكن علي الركض فأنا لست بحاجة إلى هذا المجهود يا إلهي ساعدني كي لا أسقط أوه !
توقف المصعد في الطابق المنشود وتأهب مالك للخروج منه  
ولكنه تفاجيء بالشابة تترنح بجسدها وهي تكافح للصمود واقفة على قدميها 
أسرع مالك بإمساكها من خصرها ومن ذراعها ليحول دون سقوطها وهو يهتف بفزع 
يا أستاذة في ايه انتي كويسة
نظرت
له الشابة بأعين شبه زائغة وتمتمت بكلمات لم يستطع فهمها فهتف پخوف 
أنا مش فاهم إنتي عاوزة ايه بس بس آآ 
شعر بثقل جسدها عليه فدقق النظر إليها فوجدها قد غابت عن الوعي 
أمسكها جيدا ولف ذراعه حول عنقه ثم مد ذراعيه أسفل جسدها ليحملها  
كان المصعد قد أكمل صعوده في الطابق التالي وحينما توقف انطلق مالك منه مندفعا حاملا إياها وهو ېصرخ مستغيثا بالمساعدة 
حالة من الهرج والمرج سادت فجأة في ذلك الطابق  
تعجب مالك مما يحدث ولكنه لم يكن ليترك الشابة
دون مساعدتها 
أسرع بوضعها على أقرب أريكة وجثى قبالتها ثم مد يده ليبعد تلك الخصلة التي تحجب وجهها وحاول إفاقتها بهدوء 
ركض رجلا ما وقورا ذو هيبة واضحة في إتجاهه وهو يهتف پذعر 
لانا لانا !
اعتدل مالك في وقفته وتراجع مبتعدا حينما رأى ذلك الرجل يقترب منه وأفسح له المجال للتصرف معها وأوضح له باللغة العربية وقد تناسى أن غالبية المتواجدين بالشركة أتراك 
هي اغمى عليها في الأسانسير وأنا مش عارف مالها 
أمسك الرجل بكف الشابة براحتيها وفركه بقوة وهو يهتف بإسمها 
لانا أجيبني !
رفع الرجل رأسه لينظر إلى مالك وهتف فيه بجدية ولكن بالعربية 
ابنتي أصيبت بنوبة السكري مجددا احضر دوائها من مكتبي
نظر له مالك بذهول وقد صدم من تحدثه إليه بالعربية فازدرد ريقه وهو يسأله بنبرة مشدوهة 
و آآ وهو فين مكتبك 
أشار له الرجل بيده قائلا بتلهف 
هناك !
هز مالك رأسه متفهما ثم ركض مسرعا نحو مكتبه ليساعده 
حركت إيثار رأسها للجانب وهي تئن بصوت خفيض  
شعرت بيد ناعمة تتلمس جبينها وبصوت أنثوي يهمس لها 
هاتبقي كويسة يا حبيبتي
لم ترغب إيثار في فتح عينيها واستسلمت لغيبوبتها الإجبارية فقد كانت تظن أنها في كابوس طويل قاسې تريد الإفاقة منه لينتهي عڈابها الممتد 
حدقت
أمل فيها بإشفاق واضح فقد أيقنت أن تلك الصغيرة ساذجة وبريئة للغاية أوقعها حظها العثر في رجل كزوجها محسن 
ناول سلمان ابنته لانا كوب الماء لترتشفه بعد أن أفاقت من إغماءتها القصيرة 
شعرت بصداع رهيب في رأسها وتأوهت بخفوت وهي تتمتم مع والدها بكلمات مقتضبة لم يستطع مالك فهمها 
استدار سلمان نحوه ومد يده ليصافحه شاكرا إياه بجدية 
أنا عاجز عن الشكر لقد ساعدت ابنتي
نظر له مالك بحرج ورد عليه بإيجاز 
أنا معملتش حاجة
سأله سلمان بجدية وهو يتفرس ملامح وجهه 
انت عربي 
أومأ مالك برأسه إيجابا 
ايوه من مصر
بدى وجه سلمان خاليا من أي تعابير وهو يضيف قائلا 
اعذرني على فضولي ولكن ماذا تفعل هنا !
أجابه مالك بتلعثم 
أنا شغال في الشركة دي
ظهرت علامات الإندهاش واضحة على وجهه وهو يهتف غير مصدقا 
أنت موظف لدي ! أوه يا لحسن القدر !!!
حدق فيه مالك مذهولا وهو يرد بنبرة مصډومة 
هو هو حضرتك صاحب الشركة ! 
لاحقا تعجب نادر مما حدث مع رفيقه مالك خلال نهاره الأول بالشركة وضړب كفا على الأخر قائلا بإبتسامة متحمسة 
أنا مش مصدق إنت مع بنت سلمان بيه ومن أول يوم ليك ! بركاتك يا سيدنا
هز مالك كتفيه في عدم مبالاة ورد بفتور 
أنا مكونتش أعرف انها بنته افتكرتها موظفة في الشركة وتعبت فساعدتها عادي يعني مش قضية !
أوضح له نادر قائلا بجدية 
هي شغالة فعلا في الشركة بس مش معاه كأنها زي أي حد فينا
ضاقت نظرات مالك وهتف بإيجاز 
غريبة
برر له نادر بهدوء 
ولا غريبة ولا حاجة الناس هنا بتعتمد على نفسها في تحقيق أحلامها مش زي عندنا 
أها
ثم صاح بنبرة مفعمة بالحيوية 
تعالى هأعزمك على أكلة حلوة هاتعجبك في مطعم شيك
هز مالك رأسه وهو يقول بحرج قليل 
شكرا يا نادر مافيش داعي
لكزه نادر في كتفه وهو يقول بمرح 
يا عم شيل التكليف بينا تعالى بس ! وقولي رأيك !
ماشي
وبالفعل ولج الاثنين إلى داخل أحد المطاعم القريبة من ساحل البحر  
أبدى مالك نظرات إعجاب واضحة بتصميم المكان الراقي والذي كان يتناسق في ألوانه مع زرقة البحر الذي يعشقه 
أشار له نادر بالجلوس على إحدى الطاولات القريبة من المياه وهتف بإنفعال وهو يحدق في شاشة هاتفه 
شوف إنت هاتطلب ايه عقبال ما أرد على المكالمة دي 
طيب
أمسك مالك بقائمة الطعام ودقق النظر في محتوياتها 
تعذر عليه أن يفهم المكتوب فيها فضغط على شفتيه وزفر بخفوت ثم رفع رأسه للأعلى وتلفت حوله بنظرات حائرة 
تأمل المكان بنظرات أكثر تفحصا ليلهي نفسه حتى يعود رفيقه فيترجم له المكتوب وينتقي ما يريد 
لمح عدة آلات موسيقية متراصة على مسافة قريبة منه مشكلة فرقة صغيرة ولكن بدون أعضاءها 
مرر نظراته على كل واحدة منها على حدا دون اهتمام جدي حتى وقعت عينيه مصادفة على تلك الآلة فخفق قلبه سريعا وتسارعت دقاته وتسمرت أنظاره عليها 
إنها معشوقته مترجمة مشاعره آلة الكمان  
تلك الآلة التي حطمها في لحظة هوجاء منه لينفث عن غضبه الكامن في صدره 
التوى ثغره بإبتسامة راضية وهو يتذكر براعته في العزف على أوتارها 
لم يستطع مقاومة رغبته في ټلمسها من جديد 
فرك طرف ذقنه ونهض بحذر من على مقعده ثم تحرك صوبها وكأن بها هالة سحرية تجذبه إليها 
وقف قبالتها مترددا وبشغف صادق واضح في عينيه مد أنامله ليتلمسها 
استسلم لمشاعره
وبدأ في العزف عليها بإحترافية واضحة  
يا الله كم يعشق تلك الآلة
 

24  25  26 

انت في الصفحة 25 من 60 صفحات