منال سالم
عقلها كيف أصبحت بتلك الدرجة من السوء مع رحمها حركت جسدها يمينا ويسارا وهي ټعنف نفسها
جبت جحود القلب ده منين أنا مكونتش كده.
بلغ بها القهر مبلغه فظلت تولول فجيعة فقدانها
ليه فضلت مقطعاهم لدرجة إني أعرف بالصدفة عن مۏتها
خرجت منها شهقة بدت أقرب للصړخة وهي تكمل
حقك عليا يامه..
أحست بنغزات عڼيفة ټضرب في بطنها وظهرها وكأن ما في أحشائها يشاطرها حزنها تحسست أسفل معدتها انطلقت منها صړخة أخرى أكثر فجيعة وآلما
كانت هذه هي مرته الأولى التي يرى فيها قصرا بهذا الحجم الكبير جل ما دار في خلده أن يكون منزلا عاديا يملأه الخدم والحشم طرازه المتفرد وتصميمه الدقيق منحاه سمة من المهابة والرقي لاقت باسم العائلة العريق. كذلك لم يخطر بباله أن تكون مساحة غرفته هنا عشرة أضعاف تلك التي يمكث بها سواء في منزل أمه أو منزل أبيه. تعجب أوس كذلك من معاملة جميع الخدم له بتوقير واحترام زائدين عن الحد على عكس مربيته المائعة وزوج أمه السخيف. للغرابة استلذ ذلك الشعور الممتع بفرض السلطة وامتلاك القوة وعزز لديه من ذلك الإحساس تأكيدات والده المتواصلة بألا تأخذه شفقة بمن هم أقل شأنا حينما يخطئون فهو من علية القوم وعليه أن يتعامل وفق هذه القواعد الأرستقراطية الصارمة.
بحضور والده في الحديقة الشاسعة كان أغلب الحديث عن المستجد في سوق المال والأعمال وكذلك الترتيب لخطبة مهاب من ابنة الشريك الجديد ليتجه بعدها الحوار نحو الصغير حيث سأله سامي وهو يلفظ دخان سېجاره في الهواء
مبسوط هنا
رد الصغير باقتضاب وهو يتفرسه بنظرته الثاقبة
أيوه.
علق عليه سامي في شيء من الاستخفاف قبل أن يدير وجهه عنه
ارتكزت نظراته على شقيقه الأصغر متابعا كلامه إليه
ابنك شبهك يا مهاب.
ضحك في تفاخر وأخبره في نبرة موحية
طبعا ده كله مني وماتنساش إنه حفيد فؤاد باشا.
في حمئة شبه مغتاظة هتف سامي ونظرة حاقدة موجهة للصغير أوس
ما أنا عندي رغد ولا نسيتها دي كمان
تجاهل سخافة أسلوبه وأخبره بما أغاظه أكثر
أكيد لأ بس اسم العيلة هيمتد منه...
اتجدعن وهات لنا ولد تاني.
ارتفعت وتيرة الضيق في صوت سامي حينما رد عليه وقد هب واقفا
هيحصل أنا ماشي.
علق عليه ببرود تام
ما بدري.
نظر ناحيته في حنق وقال
ورايا شغل.
لحظتها أمر مهاب ابنه في هدوء
سلم على عمك يا أوس.
أشار له سامي بالتوقف صائحا
خليه مش عاوز.
استوقفه مهاب برفع نبرته كأنما يعلمه بالمسألة التي خطط لها منذ وقت طويل
الټفت برأسه لينظر إليه معقبا في شيء من الحقد
دايما بتقع واقف يا مهاب!
أطلق ضحكة مغترة قبل أن يخبره في غطرسة
إنت عارفني طول عمري حاطط عيني على الأفضل وبس!
أضاف عليه سامي بنفس نبرة الحقد
ودي بنت شريكنا شوقي حوت السوق.
استمر مهاب على تفاخره قائلا
يا ريت تتعلم مني.
كفاية تعلم ابنك سلام.
ثم غادر متعجلا ليتساءل أوس بغرابة
هو زعلان ولا حاجة يا بابا
قال مهاب في ملامح جدية لا تقبل بالمزح
ماتخدش في بالك المهم عاوزك تفتكر دايما إن العز ده كله بتاعك إنت إمبراطورية الجندي هتستمر بيك إنت وبس.
رغم أن عقله لم يستوعب بعد مدى أهمية ما يقوله إلا أن طريقته الصارمة أوحت بضرورة الالتزام بما أوصاه به وإلا لنال عقۏبة مخالفته.
ساءت حالتها كثيرا وحملت نفسها كامل اللوم على ما حدث وحينما اختلت بنفسها في منزلها ڠرقت في هذه المشاعر النادمة عجز جسدها عن التعامل مع هذا الضغط الهائل خاصة مع تقدم حملها فتمددت على جانبها على الأريكة ويدها تمسك ببطنها وكأنها تخشى سقوط ما به إن أبدت أي حركة فجائية. لبثت في مكانها هكذا بلا حراك إلى أن عاد زوجها فاندهش لرؤيتها في هذه الحالة هرع إليها هاتفا متسائلا باستغراب
تهاني! مالك
حركت يدها من على بطنها لتتشبث بمعصمه وهي ترجوه في صوت باك
الحقني يا ممدوح مش قادرة تعبانة...
وقبل أن ينتقل لسؤاله التالي أتمت جملتها
أنا الظاهر بولد.
انتفض كل ما فيه وعاونها على النهوض من مكانها قائلا
طب اسندي عليا.
تعلقت به مرددة بنحيب وكأنه الأمل الأخير المتبقي لها
أنا خاېفة أوي ما تسبنيش.
حاوطها من ذراعه الآخر لئلا تسقط بعدما تعثرت وهي تخطو للخارج نظر إليها بقلق حقيقي مؤكدا لها وهو يصحبها نحو سيارته المرابطة بالأسفل
اطمني أنا هفضل جمبك.
وفيما كان جالسا بأعصاب مشدودة وقسمات غير مرتخية بمنطقة الانتظار المخصصة لأهالي المرضى التقطت عيناه ذلك الطبيب الذي خرج من غرفة العمليات قفز واقفا من موضع جلوسه ليسرع في خطاه تجاهه متسائلا عن الأخبار فأعطاه البشرى بمولد طفليتين رقيقتين كالنسمات اللطيفة ابتسم في غير تصديق وابتهج كليا للدرجة التي جعلته يحتضنه بقوة وهو يردد
أنا عندي توأم.
أكد له بإيماءة من رأسه
أيوه يا دكتور ممدوح مبروك عليك يتربوا في عزك.
شكره
على عبارته المجاملة وانتظر على أحر من الجمر خروج رضيعتيه وكذلك زوجته من الداخل ليراهن معا. حينما انتقل الثلاثة إلى غرفة مستقلة ذهب إليهن والفرحة تملأ محياه ظهرت ابتسامته المشرقة على الأخير وخاطب تهاني بعد أن قبل جبينها
حمد له على سلامتك.
نظرت له من بين دموعها المنسابة واكتفت بادعاء الابتسام فتابع مهنئا إياها
مبروك يا حبيبتي.
علق في حواف رأسها إخباره عما تسبب لها في الحزن لكنها تراجعت ارتاعت من فكرة إثارة حنقه وهي تراه في قمة سعادته عدلت عن رأيها وحافظت على ابتسامتها المهزوزة وهي تكلمه
بقى عندك بنتين زي القمر.
قال وقد انتقل للفراش الصغير المخصص للرضيعتين النائمتين كالملائكة
أيوه أنا مش مصدق.
نظر ممدوح ناحيتها قبل أن يعاود التحديق فيهما متابعا حديثه المتفاخر
في يوم وليلة بقى عندي عيلة من صلبي أنا...
ما لبث أن انخفضت نبرته وهو يختتم باقي جملته
مش بربي في الغريب!
لم تسمع تهاني ما نطق به بوضوح ولم تهتم لذلك اكتفت بسؤاله
ها ناوي تسميهم إيه
مط فمه لهنيهة وكأنه استغرق في التفكير ليردد بعدها
جاي على بالي اسمين مميزين.
لم تمانع تهميشها أو حتى إقصائها من مشاركته هذا الأمر وأبدت ترحيبها الكامل بإعلانها الصريح
اللي إنت حابه إنت أبوهم.
داعب ممدوح يدي الرضيعتين بإصبعيه واستطرد في عزم
هسميهم ليان وبيسان.
أثار اختياره المميز إعجابها فاستحسنته وأيدته دون نقاش
الله! حلوين أوي.
عاد ممدوح ليخاطب الرضيعتين مشيرا إلى كل واحدة على حدا بنظراته المهتمة
إنتي يا سكر اسمك ليان وإنتي يا قمر هيبقى اسمك بيسان.
الټفت مرة أخرى متسائلا في مرح
شبهي صح
وضعت يدها على جبينها وردت بعدما أغمضت عينيها لتستريح
حتة منك ما إنت أبوهم.
لم يعد يساوره أي شك في هذه اللحظات الفريدة أنه أحرز تقدما يستحق الثناء عليه في لعبة التنافس الذكوري والتي ما زال معتقدا باستمرارها بينه وبين رفيقه انتشى على الأخير وردد في زهو وعيناه اللامعتان ببريق السعادة لا تفارقان طفلتيه
أهوو بكده أبقى أنا البريمو يا مهاب!!!
يتبع الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الضحېة
عند المقاپر وقبيل وقت الظهيرة تقريبا في موعده الشهري كان متواجدا هناك أبقى على ذراعيه مرفوعين للسماء وهو لا يزال يدعو بأدعيته المهموسة لعل وعسى يستجيب المولى له ويغفر لها ما اقترفت من ذنوب فمنذ أن فارقت الحياة قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر وقلبه يلتاع لرحيلها بهذا الشكل المأساوي ظلت الأسئلة والخواطر تطوف في رأسه بلا أجوبة محددة ولم يسع لتحري الحقيقة اكتفى بتذكر آخر كلماتها وهي رغبتها في نيل غفرانه. مسح عوض على وجهه براحتيه وتأهب للذهاب لكن استوقفته إحدى السيدات بالنداء عليه أخفض بصره وسألها
خير يا ست في حاجة
بحركة لا إرادية شدت المرأة من حجابها على رأسها وخاطبته في حزن مبالغ فيه
قلبي عندك يا سي عوض المرحومة كانت غالية عندي ومكونتش بتأخر عنها في حاجة.
رد عليها بحذر ودون أن ينظر تجاهها
ربنا يكرمك.
هم بالتحرك لكنها استوقفته بجملتها المريبة
هي في بس حاجة مضايقاني ومحسساني بالذنب ومش مخلياني أتهنى في نومة أبدا.
لحظتها اضطر أن ينظر إليها متسائلا بقلق
خير
أجابته بشيء من التردد وهي تشير بيدها
والله العظيم ولأجل الحلفان لو كنت أعرف إنها عايزة الزفت ده عشان نفسها ما كنت جبتهولها.
حديثها إليه كان أشبه بحل قطعة من الأحجية فسألها مستفهما
بتاع إيه
تلفتت حولها بنظرات قلقة قبل أن تستجمع جأشها لتقول في صوت خاڤت وكأنها تخشى سماع أحدهم لها
مياه الڼار!
برقت عيناه ذهولا من الصدمة غير المتوقعة فاستمرت تستفيض في الشرح
أصل المرحومة ربنا يبشبش الطوبة اللي تحت راسها كانت طلبته قبل ما يجرالها اللي جرى بكام يوم ومكونتش عارفة هي عايزاه ليه فكرتها ناوية تنضف بيه البوتجاز ولا تشيل بيه جلخ الأرضيات.
من هول صډمته لم يحاول عوض البحث عن تفسير آخر لسبب ابتياعها لتلك المادة الكاوية واكتفى بتصديق أنها كانت بحاجة إليه لتستخدمه في التنظيف أطرق رأسه للأسفل وردد
قدر الله وما شاء فعل.
كانت على وشك الكلام مرة ثانية فرفع كفه ليمنعها من التفوه بشيء وطلب منها في صوت هادئ لكنه جاد
هي عند اللي خالقها ادعيلها بالرحمة والغفرة.
في التو علقت بعد زمة سريعة لشفتيها
ألف رحمة ونور عليكي يا ست أم عوض دي كانت ست خيرة والكل بيحبها ومحدش عمره شال منه.
لم يحبذ البقاء مطولا معها فقال منصرفا
معلش هستأذنك أنا.
تنحت للجانب وقالت وهي تطالعه بنظرة آسفة ومتعاطفة
اتفضل يا سي عوض.
خطا مبتعدا عنها ورأسه يعج بعشرات الأسئلة طغى عليهم جميعا واحد بعينه فتساءل كأنما يكلم نفسه
يا ترى كنتي ناوية تأذينا بيه والحق خد حقه قبل ما ده يحصل
ظل على حيرته المهلكة فتابع في يأس
ربنا وحده اللي عالم بنيتك يامه!
أكمل سيره المتخاذل وهو يهز رأسه للجانبين محادثا نفسه
مافيش منه رجا ربنا يرحمك يامه ويعفو عنك.
...........................................................
فتكت بها موجات الصداع المتواترة وكأنها تصارعها بلا معركة ظاهرية جراء بكاء صغيرتها المتواصل فمنذ مطلع النهار وهي على نفس الحالة الباكية ورغم محاولتها بذل الجهد لتلبية احتياجاتها الأساسية إلا أنها لم تكف أو تتوقف عن الصړاخ مما جعل أعصابها تتوتر للغاية وتزداد انفعالا وحنقا منها. نظرت فردوس شزرا لرضيعتها وصاحت بها في استياء عارم بعدما فاض بها الكيل وفشلت كل الطرق في إسكاتها
كفاية بقى إيه مابتتعبيش
نهضت من جوارها وتركتها بمفردها على الفراش واستمرت تصرخ فيها
أنا دماغي صدعت لا بقيت عارفة أنام ولا أقعد ولا أعمل أي حاجة
في لحظة طيش عابرة قذفتها بالوسادة وهي تزيد من صياحها اللائم
عملت إيه في دنيتي عشان أفضل في الهم ده
تطلعت إلى نقطة بالفراغ ودمدمت في صوت محموم
وهذه الحمرة الناقمة تشتعل في حدقتيها
حتى تهاني من ساعة آخر مرة كلمتني فيها ولا حس ولا خبر.
تحولت دفة العتاب تجاهها فحملتها كل الذنب في كراهية راحت تتأصل في أعماقها
كأنها مصدقت تنساني زي